الثلاثاء، 20 أبريل 2010 م
استطاع النائب المستقل أحمد سيف حاشد أن يذعن "عنجهية رئيس مجلس النواب يحيى الراعي" للانصياع للائحة الداخلية، في 24 ساعة. وبإصراره ومقاومته بالاعتصام، على مقعده داخل قاعة جلسات البرلمان، والإضراب عن الطعام لمدة 24 ساعة، حقّق حاشد مكسباً برلمانياً ثميناً، وأرغم الراعي على قبول طلبه -اللائحي- واستلام استجواب لوزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء للدفاع والأمن، كان الراعي رفضه 3 مرّات. وعلاوةً على هذا، كسب تأييد ومساندة عدد من النواب.
جلسة الاثنين الفائت، قدّم حاشد إلى الراعي استجواباً مكتوباً لنائب رئيس الوزراء للدفاع والأمن رشاد العليمي، ووزير الداخلية مطهر المصري، للحضور لاستجوابهما في قضية مقتل 3 من أبناء القبيطة مطلع يوليو 2009، لكن الأول رفضه وتعامل معه "بتهميش ودونيّة". لم يستسلم حاشد وقرّر أن يحتجّ كبرلماني كبير ويفهم جيداً كيف ينتزع حقوقه، فاعتصم 24 ساعة وقاوم الجوع ونال ما أراد، بالقوّة التي استخدمها بمساندة زملاء آخرين. خاض عضو لجنة الحقوق والحريات أحمد سيف حاشد معركة شرسة مع الراعي لجلستين متتاليتين. ففي جلسة الاثنين طالب بمعاملته وفقاً للائحة الداخلية. خاطب حاشد رئيس البرلمان: لدي استجواب. وهو يعتبر ثالث استجواب للعليمي والمصري بشأن مقتل 3 من القبيطة. وأضاف مذكّراً المجلس بتوعداته السابقة بهما: كنّا (في البرلمان) أعطيناهم مهلة 48 ساعة للقبض على القتلة، وهددنا بأن نتخذ إجراءاتنا إذا لم يقوما بواجبهما. وزاد موضحاً تداعيات ترك الجناة طلقاء: "قبل أسبوعين سلّم فتحي توفيق عبدالرحيم مليونين ونصف المليون للقاتل للإفراج عن قاطرة احتجزها عليه، وكم راحوا من قتلى آخرين عقب الحادثة، وكيف أصبح الوضع الأمني حالياً". اتهم عضو لجنة الحقوق والحريات هيئة الرئاسة بمعاملته "بقدر من الإقصاء والتهميش" ولجنته أيضاً، وقال: إن دوره الرقابي معطّل منذ ما يزيد عن عام، ولم يجتمع أعضاء لجنته منذ أكثر من عام آخر، وإنها لم تشركه في أية لجنة نزول ميداني منذ عودته من جنيف قبل عام.
وطالب هيئة الرئاسة بالتعامل معه وفقاً للائحة الداخلية والسماح له بممارسة حقه القانوني بزيارة السجون لاسيما سجن الأمن السياسي في صنعاء، والذي مُنع من زيارته دون مسوغ قانوني. قطع الراعي المايك على حاشد قبل أن يكمل حديثه. فصعد إلى المنصّة وقدّم الاستجواب مطبوعاً، طبقاً للائحة، لكن الراعي رفض استلامه، وردّ على حاشد: لا يحق لك أن تتقدّم باستجواب، مقصياً اللائحة الداخلية. الاستجواب لوزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء بشأن قضية مقتل 3 من أبناء القبيطة في 9 يوليو 2009، الذي قدّمه حاشد إلى المجلس الأسبوع الفائت، هو ثالث استجواب بهذا الشأن. يتم تجاهلها في كل مرة، وعلى مدى 4 دورات برلمانية. عقب الحادثة، بأيام منح البرلمان العليمي والمصري مهلة 48 ساعة للقبض على القتلة. وبعد مضي الوقت المحدد دون أن تتخذ الجهات الأمنية أي إجراءات، لم يقم المجلس بأي إجراء حيال الوزيرين، فوقّع نحو 43 نائباً طلباً مكتوباً إلى رئيس المجلس باستجواب نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن ووزير الداخلية، فتعامل رئيس المجلس معه بتهميش ورفض.
في 5 نوفمبر 2009، قدّم النواب إلى الراعي استجواباً للوزيرين موقّعاً من 64 نائباً. لكن الراعي اقترح حضور وزيري الداخلية والدفاع بعد 4 أيام، وفي حال عدم حضورهما، فإن المجلس سيتّخذ إجراءاته. لم يعر الوزيران المجلس أي اهتمام وقدّما اعتذارهما عن الحضور، واتضح لاحقاً أن الغرض من تحديد موعد لحضورهما هو تتويه النواب وامتصاص حماسهم. مذاك التاريخ، ظلّ عديد نواب يطالبون بحضور الوزيرين، ويذكرون بمواعيد الحضور التي حددها المجلس. وفي كل مرة تحدد مواعيد أخرى ويعتذر هؤلاء، وآخر اعتذار كان جلسة الاثنين الفائت. فاقترح الراعي أن تخصص جلسة الأربعاء لهما، ولن يقبل المجلس بأي أعذار أخرى. إلا أن حاشد لم يقبل هذه المرة وقدّم استجوابه لهما منفرداً. عمل الراعي بكل قدراته على حجب ومصادرة استجواب حاشد للعليمي والمصري، كما عمل في المرتين السابقتين. وفي جلسة الثلاثاء، انتقد حاشد عدم تضمين الراعي لاستجوابه وطلبه في الجلسة السابقة في المحضر، فقطع الراعي حديثه وتجاهل كلامه. ظلّ حاشد قرابة 5 دقائق وهو يصرخ ويقول للراعي: "هذا حقي الدستوري ليش تصادر حقي في الكلام" ويشهد النواب من حوله "لماذا يصادر حقي في الحديث؟". لكنهم كانوا لزموا الصمت حيال ذلك عدا النائب علي المعمري الذي وقف معه ونبّه الراعي إلى أنه يقوم بإجراء مخالف، قائلاً: يا أخي لماذا تصادر حقه في الكلام، خليه يتكلم هذا من حقه. حاول الراعي أن يحيط حاشد بسياج ويجعله بمعزل عن زملائه. فخاطب المعمري: قُمْ من جنب أحمد سيف حاشد يا علي المعمري لا عاد تزيد الطين بلّة. استفز بذلك مشاعر المعمري، الذي كان يفصله عن حاشد مقعد فارغ، فانتقل إلى جوار حاشد متحدياً الراعي: والله ما ينفع معك إلاّ 100 أحمد سيف حاشد. نفّذ حاشد اعتصاماً في قاعة الجلسات مدة 24 ساعة احتجاجاً على مصادرة حقه في الحديث ورفض الاستجواب المقدم إلى رئيس المجلس، ورفضه طلباً بالسماح له بزيارة السجون، وتحديداً سجن الأمن السياسي بأمانة العاصمة. وبعد يوم من تقديمه إلى الراعي وتسليم نسخة منه إلى سكرتارية الجلسات، حضر حاشد مبكراً واستمع لمحضر الجلسة السابقة، إلا أنه لم يشر إلى الاستجواب الذي قّدمه، فاستنتج أن الراعي يهمّش أي استجوابات لوزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء، لا سيما لو كان هو من يدفع بها. وانتقد المحضر ولم يكد ينتهي حتى أقفل الراعي المايك عليه وتجاهل صوته الذي ارتفع حدّ الذروة بدون الميكرفون. تدخّل النائب الإصلاحي زيد الشامي بينهما، ونبّه الراعي إلى أن طلب حاشد لائحي ولا يجوز له أن يتعامل معه بهكذا طريقة، لكن دون طائل. وواصل الراعي تعنّته وردّ على أحمد سيف حاشد قائلاً: "ليس من حقّك أن تقدّم استجواب". ******** أين يكمن ضعف المجلس؟ كيف صمتت القاعة وتحمّس المعمري؟ لطالما قابل البرلمانيون تصرفات الراعي السلبية تجاه بعض النواب، بصمت أو بغضّ الطرف عنها، حتى أصبح واقعاً مألوفاً ويحدث في غالبية الجلسات. كسر النائب الشجاع أحمد سيف حاشد ذلك الواقع الزائف، ولم يصمد في وجه "إقصاء الراعي"، ولم يستسلم تجاه الخذلان الذي لاقاه من زملائه الحاضرين. يومئذٍ، لم يكن متوقّعاً أن يتصرّف حاشد بتلك الطريقة الإلحاحية، بل كان يعتقد أن استجوابه سينتهي بارتفاع الجلسة كما في المرات السابقة.
في حين كان ينتقد حاشد رئيس المجلس على مصادرة حقه في الكلام وإخفاء استجوابه، ويصيح من نهاية القاعة بدون ميكروفون، كان الراعي يتعامل كمن لا يسمع، ويأذن بالكلام لشخص آخر، وكان النواب يشاهدون حاشد باستغراب، وكان البعض يرمقون الراعي بنظرات إعجاب وكأنهم يحدثون أنفسهم بأن حاشد "زيّد فيها وإلا الموضوع لا يستاهل". حاول الراعي أن يفزع النواب من الاقتراب من حاشد، وربما السخرية منه، فقال لحاشد: "أنا عارف ما هوشي أنت، الحجة عند ذي جنبك.. عيدروس النقيب هو ذي بيطبزك". فرفع عيدروس نقطة نظام، فراح الراعي يهتز على مقعده مقهقهاً. تحرّك عيدروس النقيب مباشرة إلى المنصّة وبدأ يهمس في أذن الراعي وهذا يضحك.
عاد عيدروس رافعاً رأسه وجلس في مكانه جوار حاشد. لاحظ الراعي حاشد يتحدّث إلى النائب المؤتمري المعروف بمواقفه الجريئة والمستقلّة عن كتلته علي المعمري، ففتح الميكرفون وخاطبه لغرض إغاظة حاشد: "إبعد من جنبه يا علي المعمري، لا عاد تزيد الطين بلّة". وكما يفعل المعمري في كل مرّة: عكس ما يريده الراعي، اقترب من حاشد أكثر، وردّ على الراعي معلناً تضامنه مع حاشد وخطأ الراعي: "أنت ما ينفع معك إلا 100 أحمد سيف حاشد". حينها صمت الراعي، فيما ظل باقي النواب يمرّون من جوار حاشد فزعين من أن يعتقد الراعي أنهم متضامنون معه. أعلن حاشد إضرابه عن الطعام والاعتصام على كرسيه مدة 24 ساعة، فلم يتحرّك للحاضرين ساكن، سوى 3 نواب هم علي عشّال وعلي العمراني وعبدالعزيز جباري.
بعد انتهاء الجلسة استمر النواب الثلاثة قرابة نصف ساعة، يراجعون حاشد أن يعدل على قراره على أن يرتّبوا لاعتصام قوي وكبير في اليوم التالي، وأن يجتمعوا مع نواب آخرين وينفّذوا ذلك في الجلسة التالية ولفترة مفتوحة. ثمّن الجهود التي بذلوها وردّ عليهم: "أنا مصرّ على مواصلة الإضراب والاعتصام، وفي حال لم يستجب لي فإننا سننفذ إضراباً آخر غداً". وشكا لهم من الممارسات الاستبدادية التي مارسها الراعي ضدّه، وعلى الصمت المطبق من المجلس، والجريمة التي تصدّرت الرأي العام والتداعيات التي أحدثتها قضية مقتل 3 من القبيطة بمحافظة لحج. أبدى العمراني وعشال وجباري تعاطفهم الكبير واستنكروا التعامل العسكري الذي غالباً ما يستدعيه الراعي في إدارته للجلسات، وأدانوا التصرفات التي قام بها. وشدّ عشال على يديه، وقال له علي العمراني أنت برلماني عظيم، وتصرفك هذا يرفع من رصيدك الإنساني والشخصي، وأردف جباري: "إطلع على كرسي الراعي، ونحن سنطمئن عليك ونتواصل طوال اليوم".
أمضى حاشد يوماً عصيباً، لكنه كما يقول شعر بالسعادة وراحة البال للعمل الذي يؤديه وللقضية الوطنية التي يقوم بها. وقال صباح اليوم التالي إن أفراد حراسة البرلمان تعاملوا معه بتعسف ومضايقات، وإنه مضرب عن الطعام إلى ذاك الوقت، وأن الحراسة منعت أقرباءه من إدخال أوراق له وكمبيوتره المحمول (اللابتوب)، وبعد وساطة أحد النواب سمحوا بإدخال الأوراق وواصلوا منع اللابتوب. اعتبر هذا جزءاً من العقوبة التي تعرّض لها. وأشهد المجلس على تعامل الراعي ضدّه، وشكا لهم كيف تم رفض الاستجواب الذي قدّمه إلى رئيس المجلس. نفى الراعي أن يكون قد رفض استلام استجوابه، ثم تحجّج أن "حاشد يريد أن يقرأه، وهذا مخالف للائحة، وقد طلبت منه أن يقدّمه مكتوباً، وبعد أن نناقشه ونقرّه في اجتماع هيئة الرئاسة سندرجه في جدول الأعمال، لكنه لم يقدّمه".
أشار حاشد إلى أن "كلام الراعي مجافٍ للصدق"، وأنه قدّم استجوابه إلى الراعي "أمام زيد الشامي فرفضه نهائياً". في جلسة الأربعاء، تحدث عديد نواب وأعلنوا تضامنهم مع حاشد، ومثّلوا أداة مساعدة لقبول استجوابه المرفوض إلى جانب اعتصامه وإضرابه عن الطعام. وقال شيبان إن حاشد المعتصم منذ اليوم السابق والمضرب عن الطعام هو "ضحيّة لتعنّت هيئة الرئاسة وغبائها". وأضاف: المادتان 137 و155 من اللائحة واضحتان وتجيزان لعضو المجلس تقديم استجواب إلى هيئة رئاسة المجلس، وما يمارس ضدّه هو مخالف للائحة، ويوضّح العقلية الاستبدادية التي تدير المجلس. ودعا زملاءه إلى الوقوف إلى جانبه، ورئيس المجلس إلى قبول استجوابه. وقبل أن يكمل شيبان حديثه قطع الراعي عليه المايك، وبمهارة ثعلب حاول تبديل موضوع النقاش الجاد والمهم إلى استعراض لمهارة التهكم والسخرية التي يمتلكها، وردّ على شيبان الذي أعلن تضامنه مع حاشد: "خلينا نسمع من الأخ أحمد سيف حاشد الذي يشتي يجلس فوق الكرسي حق الراعي.. وقالوا إنه قد جلس من أمس.. نشتي إيجار الكرسي من أمس إلى اليوم". رئيس كتلة الاشتراكي الدكتور عيدروس النقيب أيّد ما ذهب إليه شيبان، وطلب من رئيس المجلس أن يأخذ الأمور ببساطة شديدة، وأن يستلم الاستجواب ويدرجه في جدول الأعمال وفقاً للائحة. فعقّب الراعي عليه قائلاً: ذلحين يسلّم لي الاستجواب حقه.. لكن هو يشتي يقرأه وهذا مخالف للائحة. وأسف النائب المؤتمري عبدالجليل جازم على ما وصلت إليه الحال. وذكّر بالاستجوابات السابقة التي رفضت وهو الذي تبناها هو والنائب أحمد سيف حاشد. وعرض على المجلس مقترحين؛ إمّا الوقوف أمام هذه القضية بمسؤولية، أو أن يعلّق المجلس أعماله أو يعلّق جلساته نهائياً لأنه لم يعد مجدياً. رئيس كتلة المستقلين علي عبد ربه القاضي، وهي الكتلة التي ينضوي حاشد تحت لوائها، طالب الراعي بأن يعتذر لحاشد شخصياً جراء التعامل "المسيء" الذي مارسه تجاهه. أما الاستجواب فإن اللائحة تعطيه الحق في تقديمه، ولا يحق للراعي أن يصادر حقّه في استجواب الوزيرين. وأيده النائب المؤتمري عبده بشر في ما يخص استشهاده باللائحة.
ومعلوم أن الموقف الاحتجاجي الذي اتخذه النائب أحمد سيف حاشد يعتبر الاحتجاج الأول من نوعه بالنسبة للبرلمان الحالي. لكن عدداً من النواب احتجوا بنفس الأسلوب في برلمان 1993 احتجاجاً على الحرب وقضايا سياسية مختلفة خلال مرحلة الأزمة التي سبقت الحرب. وهو احتجاج برلماني يعمل به في البرلمانات العريقة في الدول الغربية. كان من المقرر حضور نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن ووزير الداخلية، لمناقشة القضايا الأمنية، ومنها قضية مقتل 3 من أبناء القبيطة، في هذه الجلسة الأربعاء الفائت، لكنهما تخّلفا عن الحضور. وكردّة فعل، اقترح الراعي تمديد الجلسات أسبوعاً كاملاً ورفع جلسته قبل انتهائها في ذلك اليوم. وهو ما اعتبره نائبه حمير الأحمر إجراء مخالفاً للائحة.
مع ذلك، تبقى قوّة البرلمان مرتبطة بصوت نوابها. فيما يرى النائب علي العمراني أن القوّة الدستورية للبرلمان متعلّقة بشكل رئيس بقوّة وذكاء وإدراك هيئة رئاسة المجلس "فمتى ما امتلكت سمة القيادة والزعامة والحكمة، سيستعيد المجلس بريقه، وبدونها لا ينتظر الشعب من المجلس أن يعمل شيئاً". فيما يرى عبدالعزيز جباري أن "قوّة وقرار المجلس يتوقف على أعضاء المجلس"، ويقول إن "الضعف الذي يعاني منه المجلس هو ضعف الأعضاء، وبيدهم أن يغيّروا هيئة الرئاسة، لكنهم جبناء وضعفاء، ولن يجرؤوا على تجاوز هيئة الرئاسة".
---------------------------------------
المصدر: صحيفة النداء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق